مجلة اعتقاد العدد التاسع: مِحْنَةُ الأَخْلَاقِ فِي الغَرْبِ

مشاركة هذا الموضوع :

ملخصات البحوث

تعيش المجتمعات الغربية اليوم مأزقًا خُلُقيًّا عميقًا، لم يعد يخفى على المراقبين ولا على المفكّرين أنفسهم. فالأزمة تكمن في فقدان القدرة على تأسيس معنى خُلُقي جامع، بعدما غلبت الفردانية على أشكال التضامن الاجتماعي كلّه.

 تعيش المجتمعات الغربية اليوم مأزقًا خُلُقيًّا عميقًا، لم يعد يخفى على المراقبين ولا على المفكّرين أنفسهم. فالأزمة تكمن في فقدان القدرة على تأسيس معنى خُلُقي جامع، بعدما غلبت الفردانية على أشكال التضامن الاجتماعي كلّه. ينعكس هذا المأزق مباشرة في الأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية؛ حيث غابت المرجعيّات الثابتة، وحلّت محلّها مقولات النسبية التي تُحوِّل الأخلاق إلى معادلات قابلة للتبديل بحسب موازين السوق والقوّة.

لقد تحوّلت الأخلاق في الغرب من كونها معيارًا يُحتكم إليه، إلى أداةٍ تُوظَّف في تبرير المصالح وإعادة إنتاج الهيمنة، حتى غَدَا "الحقُّ" مرهونًا بيد الأقوى، و"القيمة" انعكاسًا للمزاج المتبدّل لا للثابت الكوني. وقد عبّر (زيغمونت باومان-Zygmunt Bauman) عن هذه الحالة بمصطلح "الحداثة السائلة"؛ حيث تتفكّك الثوابت، وتتحوّل القيم إلى كيانات مرنة لا تصمد أمام ضغط السوق والاستهلاك[1].


[1] زيغمونت باومان: الحداثة السائلة، ص 112.


كانت -ولازالت- أنطولوجيا القيم الخُلُقيَّة أحد التحديّات الأهمّ التي واجهت فلاسفة الأخلاق. والهدف من أنطولوجيا القيم الخُلُقيَّة هو الإجابة عن هذا السؤال المفتاحي: هل القيمة الخُلُقيَّة حقيقة مستقلّة عن الإنسان، أمّ أنّها تواضع توافقي ناجم عن ذوق الإنسان وسلائقه، ونابع من اتّفق عليه البشر؟

يُسلّط هذا المقال الضوء على رؤية (العلّامة تقي محمد تقي المصباح اليزدي)، ويقارنها بأفكار (جون ديوي-John Dewey) مستخدمًا المنهج التوصيفي-التحليلي، ويستنتج المقال أنّ "القيمة الخُلُقيَّة" برؤية المفكّرَين هي من نوع القياس مع غيره (علاقة العلّة والمعلوليّة –السببيّة- بين الفعل الاختياري للإنسان والكمال المنشود)، وهي ذاتيّة وواقعيّة، ولا ترتبط بذوق الأفراد والمجتمع ورغباتهم. إنَّ (العلّامة مصباح) واقعيّ خُلُقيّ، في حين أنّ (جون ديوي) خُلُقيّ غير واقعي. وتبعًا لذلك، فإنّ ما بعد الخُلُقيَّة والمعرفيّة هو أمر نسبيّ، ويعود بالطبع جذر هذا الاختلاف إلى الأسس المعرفيّة في تعريف صدق القيم الخُلُقيَّة ونسبيّة قيمها، والمعيار العام للقيمة الخُلُقيَّة (المصحلة العامّة والواقعية (برؤية العلامة محمد تقي المصباح اليزدي)، والتكامل المستلهم من الأفكار الداروينيّة برؤية (جون ديوي-John Dewey).

تحاول هذه الورقة أن تُلقي الضوء على الإيمان بوصفه أساسًا للمعنى الخُلُقيِّ، من خلال مجموعةٍ من المحاور: مفهوم الإيمان ومفهوم الأخلاق، والعلاقة بين الأخلاق والدِّين، والإيمان بوصفه مصدرًا للقِيَم الخُلُقيَّة، إزاحة الإيمان والخواء الخُلُقيّ الغربيّ، والتيَبُّس الخُلُقيّ والفكر العربيّ والإسلاميّ، والحياة على الإيمان وفق الخُلُق العظيم. اشتبكت الورقة،

 من خلال هذه المحاور، مع الطروحات الغربيَّة التي عملت على إزاحة الإيمان من مبحث الأخلاق والقِيَم، وأشاعت وجود خلاف بين الأخلاق التي مصدرها الإيمان، والأخلاق الإنسانيَّة المصدر. وكشفت الدراسة عن أنّ الخلاف الذي يزعمه الباحثون الغربيّون، ما هو إلا وَهْمٌ ناتجٌ عن العجز عن فهم حقيقة الإيمان، أو عن تعمّد إزاحة الإيمان بصفنه مصدرًا للمعنى الخُلُقيّ لمصلحة النموذج الفكريّ الغربيّ الذي يحاول في الوقت الراهن أن يجعل العلم التجريبي مصدرًا للحكم الخُلُقيّ. تدافع الورقة عن أطروحة، مُفادها أنّ الأخلاق المؤسَّسة على الإيمان، والتي تجمع بين باطن الإنسان وظاهره، ومعناه ومبناه، ودينه ودنياه، هي النموذج الأمثل لحلّ الأزمة الخُلُقيَّة التي يعيشها الإنسان المعاصر بشكل عام، وهي العلاج الأنجع لجائحة الخواء الخُلُقيّ التي صنعتها الحداثة الغربيَّة.

تُعدّ "الواجبيَّة" من أشهر النظريّات وأكثرها إثارة للجدل في مجال الأخلاق، وقد عُرّفت وتُلقّيّت دائمًا بكونها المخالفة للمنهجيّة العقابيّة، والمنافسة التقليديّة للنزعة النفعيّة.

 يعتقد كثيرون أنّ نظريّة الواجبيَّة لـ (إمانويل كانط- Immanuel kant) هي التعبير الأكثر شهرة عن الواجبيَّة، والتي تُدرس وتُنقد برؤى متنوّعة. ويُعدّ نقدها من منظور أسس الأخلاق الإسلاميّة أمرًا ضروريًّا ومهمًّا. في هذا البحث، وباستخدام المنهج التحليلي النقديّ، وبالإفادة من المصادر المتعلّقة بالأخلاق الإسلاميّة، وفي سياق استكشاف مكوّنات نظريّة (كانط) وزواياها، نسعى إلى تقويم هذه النظريّة بناءً على تعاليم الأخلاق الإسلامية وأسسها. على الرغم من الإمكانات والمزايا الجديرة بالاهتمام لنظريّة (كانط)، لكنّ المنهج المطلق والعقلانيّة الراديكاليّة لـ (كانط) كانا يمثّلان تحديًّا وهدفًا للانتقادات والردود على بعض افتراضاته ومزاعمه، بما في ذلك الادّعاء بفشل بناء الأخلاق على الدين وعدم وجاهته. وهذه الأمور المنتَقَدة لديه، تُعدّ -على الأقل- برؤية أنصار الأخلاق الدينية، أمورًا لا تزال غير مقبولة ومن نقاط الضعف الأهمّ في منهجه ونظريّته.

نتناول- في بداية البحث - مكانة الأخلاق في عالم استهلاكي معولم ثم نميّز بين مفهوم الحداثة الصلبة والحداثة السائلة عند الفيلسوف البولوني (زيجمونت باومان- Zygmunt Bauman)، والتي كان من تجلّياتها تحوّل الحياة الإنسانية إلى "حياة سائلة".

 فغدا التعامل مع الروابط الإنسانية بمنطق النفعية والبراغماتية، القائم على أساس الإقبال والشراء، أو الإحجام والاستغناء، مثل أيّ سلعة أو منتج استهلاكي، وأضحت السرعة وعدم الثبات السِمَة الأساس للحداثة السائلة، وكذلك للحياة السائلة، بما في ذلك الأخلاق والقِيَم، فأصبح العنصر الثابت الوحيد اليوم هو التغيّر وعدم الثبات.

ننتقل – بعد ذلك – إلى دراسة بنية الأخلاق عند الفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو- Michel Foucault) من خلال الكشف عن مفهوم الذات وموقعها، وقضية الأخلاق والسلطة، ومسألة الأخلاق والحرية، فأطّر نسبيّة الأخلاق بما وضعه من مفاهيم ومداخل تحليلية تتعلّق بإعادة قراءة الذات، وعلاقة الأخلاق بالسلطة، وكذا بالحُرّيّة، وبوصفها (أي الأخلاق) مشروعًا جماليًّا ينمو بفعل الذات وتحدّيها للسلطة. ومن خلال البحث في استطيقا السلوك وآليات الوجود الجميل، تغدوالأخلاق ممارسة واعية للحُرّيّة، فتصبح بذلك الحياة تحفة فنّيّة، ولا يصبح الفنّ يهتم بالأشياء فقط، أو حكرًا على الفنّانين، بل يمكن للفرد من خلال حُرّيّته، والمساحة المتوفّرة له، أنْ يجعل حياته تحفة فنّيّة، وأنْ يجعل من حياته جديرة بأنْ تُعاش. ونختم البحث بتحليل نقدي للقطيعة مع القِيَم الكليّة.

يبيّن هذا البحث كيف أنّ الحداثة الأميركية، ومنذ إعلان استقلالها عن بريطانية، أرادت أن تجبر النقص في افتقارها للإرث الحضاري، على خلاف ما تتمتّع به باقي المجتمعات.

 فاتخذت من النزعة العلمية والذكاء العالي مقياسًا لتطوير شعبها، وعلامة على نهوضه. وكيف أنّها أصرّت اعتماد البراغماتية النفعية، تارة تأثّرًا بمذهب النفعية البريطاني، وتارة بصورتها المشوّهة، كما أحبّ مريدوها أنْ يطلقوا عليها. وقد قدم الفيلسوف الأميركي (جون ديوي-John Dewey) براغماتية إصلاحية، نافيًا ما هو دخيل عليها، كقِيَم الفردانية والنفعية الضيقة، والغاية تبرّر الوسيلة، محاولًا أن يقدّم براغماتية تختلف عن سابقاتها في وسع دائرة النفعية القِيَمية وضيق أطرها، لتشمل المجتمع باعتبارها قِيمة تقدّمية تسعى للخير العام. وقدّم الديمقراطية على كلّ ما عداها، خشية صعود الفاشية والستالينية، التي كانت تطلّ برأسها في أوروبا قُبَيل الحربين العالميتين.

  ويكشف البحث كيف أن هذه الإصلاحات لم تستطع الصمود أمام ما تطمح له الإدارة الأميركية المتعاقبة، فضلًا عن أنّ برغماتية (ديوي) تحمل بذور قصورها وتناقضها منذ النشأة. بل تعاظمت القِيَم النفعية الأحادية على امتداد العقود اللاحقة، مع إقرار مُفكّري المجتمع الأميركي المعاصر، بوجود هُوّة سحيقة بين سلطة الولايات المتحدة، وبين مواطنيها ومطالبهم المُحقّة للإنسان الأميركي.

لقد فصّلنا في المقال بين مصطلحات رئيسة عدّة، وهذه المصطلحات هي جامعة لكلّ أصناف البشر، وهي: القاصر، والقاطع، والمقصّر، والمؤمن، والجاحد.

فغير المسلم يقع تحت أربعة عناوين لا خامس لها، فإمّا هو جاهلٌ قاصر، وإمّا جاهلٌ مقصّر، وإمّا قاطع، وإمّا جاحد. فإن كان قاصرًا، أو قاطعًا بأنّ دينه هو الحق اليقيني، أو أنّه بحث وتيقّن أنّ دينه على حقّ لسبب ما، فهو معذور. وإن كان مقصّرًا أو أنّه كان قادرًا على اتباع الحقّ ولم يفعل، يحاسب على تقصيره على أضعف تقدير. وأما الجاحد، فهو الذي عرف الحق وأنكره، لكنّه أنكره لسبب ما، فهو محاسب لا محالة.

  وتجدر الإشارة إلى أنّ القاصرين المعذّرين من غير المسلمين، هم ليسوا قلّة كما يظنّ بعضنا، بل هم كثر، فإنّنا قد نرى غالبية غير المسلمين إلى الجنّة لا كما يدّعي بعضهم أنّ غالبية غير المسلمين إلى النار.

خُصّصت هذه الدراسة الملخّصة لإجراء معالجة نقدية لكتاب الباحث المعروف مصطفى ملكيان،

 وقد جاء تحت عنوان: "جدلية العلاقة بين الدين والأخلاق"، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات التي يجمعها موضوع الأخلاق وعلاقتها بالدين والفلسفة، مضافًا إلى مجموعة من العناوين الأخرى، المرتبطة بفلسفة الأخلاق.

ويمكن القول إنّ القضية الأساس التي حاول الكاتب إثباتها وتبيينها، هي أنّ الأخلاق منفصلة عن الدين؛ حيث يدعو الكاتب إلى ما يُسمّى بأخلاق فوق دينية، ولذلك يعبّر عنها بالمعنوية، وهي حالة يمكن للإنسان أن يصل إليها بغض النظر عن اعتقاده بهذا الدين أو ذاك، بل بغض النظر عن اعتقاده بوجود الخالق.

وقد عملنا في هذه الدراسة المختصرة على بيان أهم مفاصل الكتاب وأبرز قضاياه، وحاولنا تقديم قراءة نقدية في كلّ مقالة.

التعليقات


قد يعجبك

مجلة «اعتقاد للدراسات الكلامية وفلسفة الدين » (Eitiqad For Kalām Studies & Religion's Philosophy )، مجلة علمية فصلية مُحكّمة، تصدر عن «مركز براثا للدراسات والبحوث» في بيروت.
messages.copyright © 2023, اعتقاد للدراسات الكلامية وفلسفة الدين