تعيش المجتمعات الغربية اليوم مأزقًا خُلُقيًّا عميقًا، لم يعد يخفى على المراقبين ولا على المفكّرين أنفسهم. فالأزمة تكمن في فقدان القدرة على تأسيس معنى خُلُقي جامع، بعدما غلبت الفردانية على أشكال التضامن الاجتماعي كلّه. ينعكس هذا المأزق مباشرة في الأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية؛ حيث غابت المرجعيّات الثابتة، وحلّت محلّها مقولات النسبية التي تُحوِّل الأخلاق إلى معادلات قابلة للتبديل بحسب موازين السوق والقوّة.
لقد تحوّلت الأخلاق في الغرب من كونها معيارًا يُحتكم إليه، إلى أداةٍ تُوظَّف في تبرير المصالح وإعادة إنتاج الهيمنة، حتى غَدَا "الحقُّ" مرهونًا بيد الأقوى، و"القيمة" انعكاسًا للمزاج المتبدّل لا للثابت الكوني. وقد عبّر (زيغمونت باومان-Zygmunt Bauman) عن هذه الحالة بمصطلح "الحداثة السائلة"؛ حيث تتفكّك الثوابت، وتتحوّل القيم إلى كيانات مرنة لا تصمد أمام ضغط السوق والاستهلاك[1].
[1] زيغمونت باومان: الحداثة السائلة، ص 112.





التعليقات