ويمكن القول إنّ الإلحاد بمعنى إنكار وجود الله تعالى لم يكن ظاهرةً بارزةً في التاريخ القديم، بل ما كان سائداً هو العكس تماماً، أعني الشرك والاعتقاد بتعدد الآلهة، وأن المنكرين للخالق كانوا قلة قليلة من الافراد، ولم يشكلوا جماعة يمكن الاعتداد بها.
على أن انتشار الشرك بدل الالحاد، يمكن ردّه الى تنافر الالحاد مع الفطرة السليمة، فيما الشرك يعود الى تزاحم الشبهات عند الانسان، والخلط بين ما هو إلهي وما هو ليس كذلك. فضلا عن أن الكثير من الدراسات الغربية التي بحثت في الأديان القديمة لم تفرّق، وربما تعمدت عدم التفريق، فيما فككته من نصوص، أو حللته من رسوم، بين لفظي: إله ( بمعنى الخالق) وبين ربّ ( بمعنى المدبر). ولا اعتقد أننا بحاجة للعودة الى النصوص الكثيرة للديانات القديمة التي تحدثت عن إله خالق واحد، جعلته على رأس هرم«الآلهة»، فيما جعلت للظواهر الطبيعية وعناصر القوة فيها «آلهة»؛ وإن كنا نعتقد أن هؤلاء أرادوا بها الأرباب لا الآلهة. وقد أشار القرأن الكريم الى هذه الحقيقة في قوله تعالى: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾. [الزمر: 38]. كما أشار القرآن إلى نماذج من هؤلاء المشركين من طائفة الدهريين، وسجّل صورًا من جَدَلهم، فقال سبحانه: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: 24].
اضافةتعليق