وقد لا نبالغُ إن قلنا؛ إنَّ مشكلةَ الشَّرِّ مثَّلتِ المدخلَ الرئيسَ للتمرُّد الغربيِّ الحديثِ على الميتافيزيقا، وأسهمتْ في إثارةِ الشُّبهاتِ عن التَّصوُّراتِ التَّقليديَّةِ عن العدالةِ الإلهيةِ، بل في ولادةِ تيَّاراتِ العدمِ والعبثِ وفلسفاتِ اللا معنى.
وتتبدَّى المفارقةُ أكثر في أنَّ معظم ما كُتبَ عن الشَّرِّ انطلقَ من إطارٍ لاهوتيٍّ غربيٍّ، يقومُ على تصوُّرٍ معيَّنٍ للإلهِ، ومفهومٍ ساكنٍ للعدالةِ، ومركزيَّةٍ للعقلِ المجرَّدِ المفصولِ عن غائيَّةِ الخلقِ. ورغم انشغالِ الفلسفةِ الإسلاميَّةِ بهذه المسألةِ، فإنَّ حضورَها ظلَّ خافتًا في السِّجالِ العالميِّ، مع كلِّ ما تنطوي عليه من مقارباتٍ عميقةٍ، لا سيَّما في امتدادِها الصدرائيِّ الذي جمع بين الفلسفةِ المِشائيَّةِ والإشراقيَّةِ والعرفانِ، وقدَّمَ تصوُّرًا مغايرًا في الجوهرِ والأساسِ.
أوَّلًا: سياقُ المشكلةِ في الفلسفةِ الغربيَّةِ
منذ أنْ تشكَّلتِ الفلسفةُ بوصفِها تأمُّلًا عقليًّا في مسائلِ الوجودِ والخلودِ، ظهرتْ مسألةُ الشَّرِّ باعتبارِها واحدةً من أعقدِ الإشكاليَّاتِ؛ وذلك لأنَّها تُقحِمُ العقلَ في مفارقةٍ تبدو – للوهلةِ الأولى – مستعصيةً على الحلِّ: كيف يمكنُ التَّوفيقُ بين وجودِ الشَّرِّ في العالمِ، والإيمانِ بإلهٍ كلِّيِّ القدرةِ، وكلِّيِّ العلمِ، وكلِّيِّ الرَّحمةِ؟ لقد صيغَتْ هذه الإشكاليَّةُ في الفكرِ الغربيِّ المسيحيِّ ضمنَ معادلةٍ كلاسيكيَّةٍ مشهورةٍ؛ تقولُ:
إذا كان اللهُ قادرًا على إزالةِ الشَّرِّ ولا يفعلُ، فهو ليس رحيمًا، وإنْ كان يريدُ ولا يستطيعُ، فهو ليس قادرًا، وإذا كان لا يريدُ ولا يستطيعُ، فلا معنى للحديثِ عنه أصلًا.
التعليقات